نورنيوز- لم يكن الهجوم الصاروخي الأخير لأنصار الله اليمنية على مطار بن غوريون مجرد عملية عسكرية؛ بل كان استعراضًا للقوة، زعزع معادلات الأمن والنفسية للكيان الصهيوني. في ظلّ سعي الإعلام الغربي، بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، إلى تحويل "انهيار جبهة المقاومة" إلى رواية عالمية مخاتلة من خلال خلق أجواء زائفة، أصابت الصواريخ اليمنية، من على بُعد كيلومترات، ليس فقط رمز النقل الجوي الإسرائيلي، بل أيضًا جوهر سردياته الأمنية.
في الأشهر الأخيرة، حاولت واشنطن وتل أبيب ترسيخ مبدأ مفاده أن جبهة المقاومة على وشك الانهيار بسبب الضغط المستمر من قبل العدو. لكن الأحداث على الأرض تروي قصة مختلفة. من الانتصارات السياسية المذهلة للمقاومة في الانتخابات البلدية اللبنانية، إلى مقاومة حماس لانتهاكات إسرائيل في قضية إطلاق سراح الأسرى، والآن العملية الصاروخية اليمنية، كلها تشير إلى ديناميكية وتجديد جبهة نشطة ليس فقط في مواجهة العدوان، بل أيضًا في خلق الردع.
تتميز عملية أنصار الله بدقة استراتيجية، لا سيما من حيث الزمان والمكان. فمطار بن غوريون ليس مجرد بنية تحتية للنقل؛ بل هو نقطة حيوية في البنية النفسية والاقتصادية لإسرائيل. وكان مسؤولو تل أبيب قد حاولوا سابقا إقناع شركات الطيران الدولية، أن دفاعات المطار الجوية أقوى من دفاعات واشنطن. لكن هذه الادعاءات دُحضت مع انهيار جدران الثقة في وجه القوة الصاروخية لأنصار الله.
الأهم من الهجوم نفسه هي عواقبه الاقتصادية والنفسية على إسرائيل. إن تعطيل أمن الطيران، والتهديد المباشر للاستثمار الأجنبي، وهروب السياح، وضغط الرأي العام المحلي، كلها عواقب تُدركها تل أبيب جيدًا. وقد انتقدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما في ذلك هآرتس ويديعوت أحرونوت، حكومة نتنياهو بشدة لعجزها عن الدفاع عن نفسها بفعالية حتى في مواجهة الهجمات من اليمن. وامتدت الهزائم المتتالية على الأرض لتشمل هزائم جوية.
لقد وصلت الاستراتيجية الأمريكية الفاشلة تجاه اليمن، والتي بدأت عام ٢٠١٥ بدعم التحالف العدواني، إلى حد لم يعد فيه أي مبرر لمواصلة الضغط. لم تنجح العقوبات الاقتصادية ولا العمليات الجوية المكثفة في إضعاف المقاومة اليمنية. بل على العكس، وصلت قدرات الطائرات المسيرة والصواريخ في البلاد إلى مرحلة يُمكنها فيها تهديد أحد أكثر المراكز اللوجستية حساسية للكيان الصهيوني وتقويض الأمن النفسي للمجتمع الإسرائيلي.
لم يكتفِ أنصار الله في اليمن بترسيخ مكانتهم كفاعل إقليمي شرعي، بل وصلوا أيضًا إلى مستوى من الردع يُمكنهم من إصدار تحذيرات علنية لشركات الطيران وإعلان حظر جوي على الصهاينة، يُمثل هذا النهج الاستباقي تحولاً في ميزان القوى، من مجرد دفاع إلى هجوم مُركّز.
في هذا المشهد الجديد، لم تبرز جبهة مُتراجعة، بل مقاومة فاعلة ومتعددة المراحل، تمارس نفوذها في لبنان وغزة واليمن في آنٍ واحد. إن ادعاء انهيار المقاومة، الذي كان أساس الخطاب السياسي والأمني الأمريكي والإسرائيلي، يبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى وهماً خطيراً.
بتكرار هذه الادعاءات، حرم الكيان الصهيوني نفسه من فهم الحقائق الجديدة في المنطقة، بدلاً من إقناع العالم. حقيقةٌ لها الآن طرفٌ في جنوب لبنان، وطرفٌ في غزة، وفرعٌ في صنعاء، مما يُظهر أن المقاومة ليست حيةً فحسب، بل مستعدةٌ أيضاً لفرض معادلاتٍ جديدة.
نورنيوز