قبل أن نتطرق إلى هذا الممر الذي أسماه ترامب وبسذاجة لا توصف باسمه، والأسباب التي جعلته يتصدر قائمة الأخبار هذه الأيام، علينا أن نعود إلى الخلفية التاريخية لهذا الممر ولو سريعا.
ممر زنغزور هو مخطط تسعى جمهورية آذربيجان إلى تنفيذه بعد حرب ناغورنو قره باغ الثانية في عام 2020 من أجل إنشاء ممر يربطها مع منطقة نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي من مقاطعة سيفنيك في أرمينيا. وهو طريق يبلغ طوله 40 كيلومترا وعرضه 5 أمتار، ويقع بالضبط على الحدود المشتركة بين إيران وأرمينيا.
بعد سيطرة جمهورية آذربيجان على أجزاء من قره باغ في حرب اليوم الواحد عام 2023، طلبت في اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في موسكو، الوصول إلى منطقة نخجوان ذات الحكم الذاتي، حيث اعترفت الاتفاقية بهذا الطلب، ولكن ليس عن طريق بناء وتنشيط الممر الجديد وتغيير الحدود، ولكن أيضا من المسار الذي دام 30 عاما من داخل الأراضي الإيرانية والمعروف بممر أرس.
أول رد فعل إيراني على تصريحات ترامب الساذجة، جاءت من مستشار قائد الثورة الإسلامية علي أكبر ولايتي عندما قال: "هل جنوب القوقاز منطقة بلا صاحب حتى يقوم ترامب باستئجارها؟ إن القوقاز من أكثر المناطق الجغرافية حساسية في العالم، وهذا الممر لن يتحول إلى ممر يملكه ترامب، بل سيكون مقبرة لمرتزقته.. وإن ترامب، وكعادته، يطلق تصريحات براقة لكنها خاوية.. و يتوهم أنه صاحب مكتب عقاري يريد أن يستأجر أرضا أو منطقة ما.. إن إيران، سواء بالتعاون مع روسيا أو بدونها، ستمنع إنشاء الممر الأميركي في القوقاز، لأنه يهدد أمن المنطقة ويغير خريطتها الجيوسياسية".
لقد اعتاد العالم على تصريحات مواقف ترامب، التي يتعامل من خلالها مع دول العالم كسمسار، مثل عرضه شراء غرينلاند في القطب الشمالي من الدنمارك، أو ضم كندا إلى بلاده واعتبارها الولاية الـ51 لأميركا، أو احتلال مضيق بنما، أو احتلال غزة وتحويلها إلى ريفيرا الشرق الاوسط، و.. ومواقف أخرى مضحكة أثارت سخرية العالم، ولم تر النور ولن تراه أبدا، وإن "ممر ترامب" أيضا لم ولن يرى النور هو أيضا.
أسباب الموت الأخرى التي يحملها اتفاق ترامب في داخله، كشفت عنه وكالة بلومبرغ الأميركية، حيث كتبت تقول إن الطريق التجاري الجديد الذي سيمر عبر الأراضي الأرمينية بدعم من الرئيس الأميركي ترامب يواجه قيودا جغرافية وتحديات في البنية التحتية ومنافسة إقليمية تجعل نجاحه غير مؤكد.
وأضافت الوكالة الأميركية أن العديد من المحللين يعتقدون أن إنجازات ترامب لا تزال شعارات؛ وذلك في منطقة أعاق فيها تشابك الأزمات وتنافس طرق التجارة العالمية بشكل خطير تقدم مثل هذه الأفكار.
ووفقا لبلومبرغ فإن هذا الممر الذي يمر عبر الأراضي الأرمينية، يربط جمهورية آذربيجان بإحدى المناطق الخاضعة لسيطرتها بالقرب من الحدود التركية؛ خطة اعتبرتها يريفان سابقا "انتهاكا لسيادتها"، لكن الضغط والدعم من واشنطن، وتوقيع الاتفاقية في البيت الأبيض بحضور رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الآذربيجاني إلهام علييف، مهّد الطريق لإقرارها.
وأضافت الوكالة أن واشنطن بحاجة إلى وجود واستثمار حقيقيين وطويلي الأمد لتحقيق "مكاسب سلام كبرى" في منطقة مليئة بحروب الماضي؛ وهو أمر لا يبعث على الكثير من الأمل في سجل أداء الولايات المتحدة في مشاريع مماثلة.
وأشارت بلومبرغ إلى أن "ممر زنغزور" يبلغ طوله 30 ميلا فقط وهو جزء صغير من شبكة نقل بري أكبر بكثير بين آسيا الوسطى وأوروبا.. ومن بين هذه الشبكات، يحتل "الممر الأوسط" الذي يبلغ طوله 4000 ميل بين الصين وأوروبا، بالإضافة إلى "الممر الشمالي" الذي يمر عبر روسيا الخاضعة للعقوبات، مكانة أكثر أهمية، وفقا لبلومبرغ.. بالإضافة إلى ذلك، تعمل موسكو وطهران وأنقرة وبغداد على تطوير مشاريع أخرى، مما لا يترك مجالا كبيرا لمشروع واشنطن.
واشارت الوكالة إلى أن الصين استثمرت أكثر من تريليون دولار في مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، بينما لم تتمكن الولايات المتحدة من تقديم بديل جذاب.. و أن واشنطن أعلنت قبل عامين عن مشروع "الهند - الشرق الأوسط - أوروبا"، إلا أن هذا المشروع لم يتجاوز مرحلة التخطيط بعد.. إضافة إلى ذلك، فإن وجود إسرائيل في هذا المشروع، إلى جانب حرب غزة، والهجمات على لبنان وإيران وسوريا، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الواردات من الهند، قد قلل من مصداقية الخطة وجاذبيتها.
وحذّرت بلومبرغ من أن الطرق البرية، مثل "طريق السلام والازدهار الدولي" الذي اقترحه ترامب، تواجه مشكلة ارتفاع تكاليفها مقارنة بالطرق البحرية الأقل تكلفة.. كما يُشكّل ضعف البنية التحتية وصعوبة التنسيق بين الدول عقبات رئيسية.
واختتمت بلومبرغ تقريرها، أن الاستثمار المكثف في هذا الممر الجديد قد يتعارض مع الواقع السياسي والاقتصادي المعقد في المنطقة، حيث لا تزال التوترات قائمة، وتتقدم المشاريع المتنافسة بوتيرة أسرع، بينما تظل العديد من الخطط الأميركية "على الورق".
إيرانيا، ترى طهران أن السلام والأمن والاستقرار الإقليميين ليس مجرد أولوية بالنسبة إليها فحسب، بل أحد ركائز أمنها القومي، وأي تهديد لسلامة أراضي جيرانها أو إعادة رسم الحدود، سواء في الشمال أو في الجنوب، سواء في الشرق أو في الغرب، أمر غير مقبول على الإطلاق وهو خط أحمر بالنسبة لها.. فهي ترحب بالسلام بين جيرانها ولا تُعارض إزالة المعوقات على طرق النقل، لكنها تُبدي حساسية تجاه المخططات التي تُدخل قوى ومنظمات من خارج المنطقة في الآلية الأمنية والجيوسياسية لمنطقة القوقاز التاريخية، وتُحذر من تهيئة الظروف لتصعيد التوترات بهذه الطريقة.. و أن أي محاولة لقطع طريق التجارة الإيرانية وعبورها إلى روسيا وأوروبا عبر معبر زنغزور محكوم عليها بالفشل، وهذا الإجراء حلم سيتحول إلى كابوس لمخططيه.
نورنيوز/وكالات