معرف الأخبار : 239878
تاريخ الإفراج : 8/16/2025 3:42:09 PM
وهمٌ يُدعى "إسرائيل الكبرى"

وهمٌ يُدعى "إسرائيل الكبرى"

أثارت تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة حول "إسرائيل الكبرى" موجةً من القلق والإدانة الدولية. لا يعود هذا القلق إلى لهجة تل أبيب القاسية فحسب، بل أيضًا إلى الارتباط العميق بين هذه الفكرة وأيديولوجية الصهيونية السياسية؛ وهي رؤيةٌ تُرسِم الحدود الوهمية لـ"أرض الميعاد" من النيل إلى الفرات، وتُعتبرها مهمةً تاريخية.

نور نيوز -  في حين لم يتعافَ العالم بعد من صدمة جرائم الكيان الصهيوني في غزة، ولا تزال ذكرى المجاعة والجوع التي عانى منها شعوب هذه المنطقة تُؤرق وتُثير دهشة شعوب العالم، أثارت تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة حول "إسرائيل الكبرى" والتقدم في خطط الاستيطان الجديدة في الضفة الغربية موجةً من القلق والإدانة الدولية. قلقٌ لا ينبع فقط من لهجة تل أبيب القاسية، بل أيضًا من ارتباط الفكرة الوثيق بأيديولوجية الصهيونية السياسية والمتطرفين الدينيين؛ فهمٌ يرسم حدودًا خيالية لـ"أرض الميعاد" من النيل إلى الفرات، ويعتبرها مهمةً تاريخية.

ترسم فكرة "إسرائيل الكبرى" في بعض قراءات التوراة والعهد القديم، أرضًا تشمل أجزاءً من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق، موسعةً الحدود الجغرافية للكيان الصهيوني بشكل كبير. أعلن نتنياهو مؤخرًا أنه "يؤيد" هذه الخطة ويعمل على تحقيقها. كما يسعى بعضٌ من أكثر الوزراء تطرفًا في حكومته اليمينية المتطرفة، مثل سموتريتش، بنشاطٍ إلى وضع خططٍ لتنفيذها.

تجاوز مفهوم "إسرائيل الكبرى" في القرن العشرين، وخاصةً بعد تشكيل الحركة الصهيونية التصحيحية بقيادة فلاديمير جابوتنسكي، الإطار الديني المحض، ليتحول إلى برنامجٍ سياسيٍّ لتوسيع حدود إسرائيل. على الرغم من أن العديد من اليهود حول العالم، وحتى بعض الحكومات الإسرائيلية السابقة، اعتبروا هذه الفكرة متطرفة، إلا أنه في السنوات الأخيرة، ومع صعود اليمين المتطرف، يمكن رؤية انعكاسها العملي في سياسات تل أبيب. في تصريحاته الأخيرة، وصف نتنياهو هذه الفكرة ليس فقط بأنها مثال تاريخي، بل أيضًا بأنها "واجب روحي".

بالتزامن، عاد ما يسمى بمشروع E1، الذي توقف لسنوات بسبب الضغوط العالمية، إلى جدول الأعمال. تتضمن الخطة بناء حوالي 3300 وحدة سكنية في منطقة تقع بين القدس الشرقية ومستوطنة معاليه أدوميم. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن المشروع من شأنه أن يقسم شمال الضفة الغربية وجنوبها، ويقوض وحدة أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية.

ووفقًا لمنظمة السلام الآن، تمت الموافقة على بناء أو البدء في بناء أكثر من 12300 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية في عام 2023 وحده، وهو أعلى رقم منذ بدء تسجيل البيانات. استمر هذا التوجه في عام ٢٠٢٤، حيث بدأ العمل في بناء أكثر من ٩٠٠٠ وحدة سكنية جديدة في النصف الأول من العام.

وُصفت المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة مرارًا وتكرارًا بأنها غير قانونية في وثائق وقرارات الأمم المتحدة. دعا قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ (١٩٦٧) إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال حرب الأيام الستة. ودعا القرار رقم ٣٣٨ (١٩٧٣) إلى التنفيذ الفوري للقرار رقم ٢٤٢. والأهم من ذلك، ينص القرار رقم ٢٣٣٤ (٢٠١٦) على أن بناء المستوطنات "لا أساس قانوني له" ويشكل "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي". كما يدعو القرار إلى الوقف الفوري والكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية، بما في ذلك في القدس الشرقية.

ومع ذلك، لم تتجاهل "إسرائيل" هذه القرارات فحسب، بل سرّعت عملية بناء المستوطنات. ووفقًا للتقرير السنوي للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة (٢٠٢٣)، فإن هذه الإجراءات قد ترقى إلى "ضم فعلي"، وهو انتهاك واضح للمادة ٤٩ من اتفاقية جنيف الرابعة.

*موجة من الإدانات الدولية

وصف الاتحاد الأوروبي، مستشهدًا بالقرار 2334، مشروع E1 بأنه "تهديد مباشر" لحل الدولتين. وحذرت ألمانيا وفرنسا من أن مثل هذه الإجراءات ستجعل "عملية السلام" لا رجعة فيها. وفي العالم العربي، وصف الأردن تنفيذ هذا المشروع بأنه خط أحمر للأمن القومي، كما أصدرت مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبعض الدول العربية الأخرى في المنطقة بيانات مشتركة تدين هذه السياسات. ووصفته إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، بأنه "محاولة للاستعمار الجديد". في غضون ذلك، اتخذت الولايات المتحدة موقفًا داعمًا لخطة إسرائيل الكبرى.

قد يؤدي المضي قدمًا في مشروع "إسرائيل الكبرى" إلى موجة جديدة من المقاومة المسلحة في الأراضي المحتلة وتفاقم الصراع. بالإضافة إلى ذلك، فإن تجاهل النظام القانوني الدولي يزيد من تقويض الثقة في المؤسسات متعددة الأطراف، ويشكل سابقة خطيرة للنزاعات الحدودية الأخرى حول العالم.

إن إصرار تل أبيب على المضي قدمًا في خطط مثل "إسرائيل الكبرى" ومشاريع مثل E1 لا يُبدد الأمل في سلام دائم فحسب، بل يدفع المنطقة أيضًا نحو أزمة أعمق. على المجتمع الدولي أن يتجاوز الإدانة اللفظية ويستخدم الأدوات السياسية والاقتصادية والقانونية لوقف هذه العملية. وإلا، فإن ما يبدو اليوم أجندة توسعية إسرائيلية قد يُشعل أزمة عالمية غدًا ذات تداعيات عالمية.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك