لم تكن بريطانيا تتصور ان تبادر الجمهورية الاسلامية الايرانية، الى معاملتها الند بالند عندما حجزت ناقلة النفط الايرانية في مضيق جبل طارق (الذي تديره حكومة محلية تابعة للتاج البريطاني) بتاريخ 4 تموز/يوليو 2019، لأنها مازالت تتعامل مع ايران بحالة استعلاء مستصحبة ماضيها الاستعماري عندما كانت الشمس لا تغيب عن مستعمراتها.
ولكن بعد ان قامت ايران باحتجاز ناقلة النفط البريطانية \"ستينا امبيرو\"، والذي جاء في إطار تنفيذ القوانين وبطلب من جهات قانونية وقضائية، خلافا لما قامت به بريطانيا من قرصنة بحرية، وجدت لندن نفسها في ورطة مع طهران، فإن هي رضخت للمطالب الايرانية وافرجت عن ناقلة النفط مقابل الافراج عن ناقلة النفط البريطانية، فستكون قد اهتزت سمعتها المهزوزة من الاصل، بعد ان اصبحت إمعة لواشنطن، تنفذ طلباتها حتى ولو كانت بضررها. وبالتالي سيحسب هذا امتياز آخر يسجل في حساب امتيازات طهران.
وإن لم تستجب فإنها ستكون في ورطة أخرى فهذا يعني ان ناقلات نفطها العابرة من مضيق هرمز ستكون تحت رحمة ايران، التي ترصدها كما ترصد كل القطعات البحرية المارة من هناك الحربية منها والتجارية، وفي هذه الحال فإن طهران ستستفيد من أدنى مخالفة للقوانين، لكي تقوم باحتجاز ناقلات النفط والسفن البريطانية، وهي محقة لأنها تنفذ القوانين وتنطلق بقوة المنطق، مصحوبة بالمنطق الذي لا تفهم بريطانيا وامثالها غيره، وهو منطق القوة.
إدارة ترامب غررت ببريطانيا وورّطتها في مصيدة خطيرة
وفي هذا السياق، قال المعلق في صحيفة \"أوبزيرفر\" البريطانية، سايمون تيسدال، إن \"الصقور في إدارة دونالد ترامب غرروا ببريطانيا وورطوها في مصيدة خطيرة لمعاقبة إيران\".
وأضاف: إن مستشار الأمن القومي الاميركي جون بولتون والصقر المعروف من حرب العراق، رجل لديه مهمة، ولديه سلطة واسعة على سياسة دونالد ترامب وهو المحرك الرئيسي للمواجهة الأميركية مع إيران. ولأنه متحمس بشدة لمهاجمة إيران، فهو لا يهتم بمن سيتضرر أثناء محاولاته حتى لو طال الضرر الجانبي من المواجهة الحليفة بريطانيا.
ويؤيد هذا الرأي، ان بولتون لم يخفِ فرحته العارمة عندما تلقى خببر احتجاز البحرية البريطانية ناقلة النفط الايراني في مضيق جبل طارق، حيث كتب في تغريدة له على تويتر: \"أخبار ممتازة: احتجزت بريطانيا ناقلة نفط عملاقة غريس-1 بطاقم إيراني أثناء توجهها إلى سوريا مخترقة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي\"، حسب تعبيره.
ان بريطانيا تواجه مشكلات عديدة داخلية وخارجية بما فيها ازمة الخروج من الاتحاد الاوروبي، الموضوع الذي يواجه معارضة داخلية وينذر باستقلال اجزاء عن المملكة المتحدة كاسكتلندا التي هددت باجراء استفتاء على الانفصال إن خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، عدا عن المشاكل الاخرى والضعف الذي ينخر الثعلب العجوز. ويبدو انها ابتلعت الطعم الاميركي في التورط مع ايران، في حالة ضعف وفي حالة انتقالية عند انشغالها باختيار رئيس الوزراء الجديد.
ولم تفق بريطانيا من صدمة ورطتها، الا بعد ان احتجزت ايران ناقلة النفط البريطانية، ولم تكتفِ بذلك، بل نشرت مقاطع مصورة عن احتجاز الناقلة وحتى مقاطع عن داخلها، وكيفية انزال قوات الحرس الثوري على سطحها، وكيفية اقتيادها. فضلا عن تقديمها رسالة الى مجلس الامن الدولي شرحت فيه المخالفات التي ارتكبتها ناقلة النفط البريطانية، وان الاحتجاز كان تماما وفق القوانين الداخلية والدولية. لذلك مزجت ايران بين القوة والمنطق، فزاد من موقفها الواثق.
واللافت في الامر، ان القوة البحرية البريطانية عاجزة عن توفير الحماية لسفنها في مضيق هرمز، إذ حاولت سفينة حربية بريطانية عرقلة احتجاز قوات الحرس الثوري لناقلة النفط \"ستينا امبيرو\" لكنها كانت عاجزة تماما، حيث أمسكت القوة البحرية للحرس بزمام المبادرة، مستفيدة من قربها من اكبر قاعدة بحرية ايرانية في الخليج الفارسي.
وبالطبع الورطة البريطانية مع ايران مستمرة، كما ان التصعيد في الوقت الحاضر لا يخدم بريطانيا ولا يخدم اميركا، ولا حلفائهما في المنطقة. لأن هذه الاطراف لا تدرك حجم المفاجآت التي تخبئها ايران لهم. كما مفاجأة اسقاط طائرة التجسس الاميركية المسيرة الاكثر تطورا.
ولكن الى أين ستؤول أزمة احتجاز ناقلات النفط بين بريطانيا وايران؟ لا يمكننا التكهن بالامر فهو مفتوح على كل الاحتمالات. خاصة مع اعتبار كلا الطرفين الامر مرتبط بسمعتهما واعتبارهما، ولكننا نتوقع ان ينتهي الامر لصالح ايران عاجلا ام آجلا، وستبدي لنا الايام صحة هذا التوقع.
وكالات