وأضاف سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في كلمة له بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لإنطلاق ثورة الرابع عشر من فبراير المجيدة، ألقاها على مسامع شعب البحرين من مهجره في مدينة قمّ المقدسة مساء أمس الأحد بتاريخ 13 فبراير 2022م: هو حراكٌ فَرَضَه الواقع السياسي والحقوقي العامُّ من دينيٍ ومدنيٍ واجتماعيٍ وفردي ومعيشي وثقافي متردٍّ ضاغط أوجدته السياسة الرسمية الجائرة، وهذا الواقع الذي أملى قائمة المطالب التي دفعت إلى الحراك التي عُرفت بدايته أنّ نهايته فلا تكون إلاّ بتحقُّق هذه المطالب، وإحقاق ما هو حق، وإبطال ما هو باطل.
وتابع سماحته: هذا ما يُنهيه لا ما هو دونه، ولا يحاول من يحاول أن يُنهيه قبل ذلك، وبحلولٍ شكليةٍ أو قاصرة، وكلُّ حلٍّ جزئي إنما يُنهي من قائمة المطالب بقدره، أمّا بقيّة المطالب فتُبقي المطالب من أجل تحقيقها حتى تتمّ، لأنّ أيّ مطلبٍ من مطالب الشعب التي انطلق منها ذلك الحراك ليس شيئاً لهواً ولا فضلاً، وليس من قضايا الهامش، والحراك ليس بمجرد حالةٍ إنفعالية منفصلة عن وعي الدين والواقع والمصلحة الضرورية ودفع الظلم القاتل المُدمِّر.
وأكمل: الأولوية الموجودة في قائمة مطالبنا الشعبية ليست بين مُهمٍّ وهامشي، إذا قلنا بأن بعض المطالب أهمّ، إذا قلنا بعض المطالب أولى من بين المطالب القائمة، فلا نعني بذلك أنّ هناك مُهمّاً وهامشيا، وشيئاً يُمكن أن يُستغنى عنه. أولويات مطالب شعبنا في المطالب قائمةُ على ما هو مهمٌّ جدّاً وما هو أشدُّ أهميةً منه وأكثر ضرورة.
*شعب مظلوم
وأضاف: إنّ شعبنا وكلَّ شعبٍ مظلوم هو بين أمريْن حين يُظلَم، بين الصبر على عذاب الظلم، وما أشدَّ الظلم عذابا، وبين الصبر على متاعب الطريق من أجل التخلُّص من الظلم والوصول إلى العدل، نعم لابد من الصبر على المتاعب كخيارٍ ثانٍ، وإنْ أرهقت الصابرين للتخلُّص من مظلومية الظلم وعذابه، والأوّل وهو أن تصبر على الظلم فتخسر دينك ودنياك وكرامتك وعزّتك وحريّتك مرفوضٌ كلَّ الرفض. هو مرفوضٌ ديناً وعقلاً، والثاني وهو أن تصبر على مواجهة المواجهة الإيجابية الرشيدة العاقلة وإنْ طال الطريق متعيّنٌ بالنسبة إلى أيّ شعبٍ من الشعوب.
وأردف سماحته: نعم سُنّة التغيير مشروطة ولا تتوقف، ومتى تَوَفَّر شرطها جَرَت وفرضت نفسها على الأوضاع، وعلى كلّ المتعنتين. هي مشروطة بأن يُغيِّر الناس ما بأنفسهم، ويعدّونها الإعداد الذي يتطلّبه ما يطمعون إليه من تغيير، ولكلّ تغييرٍ وزن، ولكلّ وزنٍ من الطموح والتطلُّع ما يوازيه من جُهدٍ وجهادٍ وكُلفة، وإعدادٍ وعُدّة.
وأضاف: فلا كَسبَ لتقدّمٍ إلا بتغييرٍ من التغيير الإيجابي، تغييرٍ إيجابي لما في النفس، ولا تقهقهر كذلك إلا بتغييرٍ من التغيير السلبي وفساد المحتوى الداخلي للإنسان. الفرد الذي يصنع نفسه صنعاً إيجابياً، التغيُّر الذي يطرأ عليه، والتغيير الذي يصنعه هو تغيير إيجابي، والتحوّلات التاريخية الكبرى تُعلّمنا بأنّ السُنّة الكونية هي التغيير للجمود.
وتابع الشيخ عيسى قاسم: ليس للقاعدين أن يتمنوا النصر، وإنما الوعد بالنصر للقائمين الذي يُعدّون أنفسهم لتحمُّل كلفته، وكُلفة النصر ليست قليلة، وكُلفة النصر ليست موقوتة بالوقت القصير، لابد من المواصلة والنَفَس الطويل من أجل النصر، وحينئذٍ لابد أن يتحقّق، وممّا يصنع التغيير والنصر أنْ تتوّحد الكلمة على المطالب الحقّ، وتجدَّ الحركة على طريقه.
وتابع سماحته: إذا أراد أهل وطنٍ أن يتغلّبوا على مشاكل وطنهم أنْ يتوحدوا، وتتوحد جهودهم على طريق الحلّ، وبعد أن يتعرّفوا عليه، وبعد أن يُجيدوا التعامل معه، وبعد أن يعرفوا كيف يُجيدون التعامل معه، وإذا أرادوا أن تُغرقهم المشاكل فلتَفْتُر قواهم، ولْتتوقّف حركتهم، ولْيستسلموا للراحة، ولْيَطِبْ لهُم المنام، وشعبنا مُلتفتٌ إلى هذا، ومُتنبِّهٌ له، وحَذِرٌ إنْ شاء الله من الوقوع في محاذيره.
*ضرورات وحاجات
وأضاف الشيخ عيسى قاسم: شعبنا شعبٌ له إنسانيته وكرامته وعزّته ودينه، وهو حريصٌ على استرجاع حريّته، كما أنّ له ضروراته وحاجاته ومطالبه البدنية والمادية، ومطالبه من السياسة الحاكمة لبلده أن تعترف بكلّ حاجاته وتحترمها إحتراماً عملياً كافيا، وإلاّ لم يمكن بين هذا الشعب وهذه الحكومة أنْ تستقرّ، ولم يمكن لهذا الشعب أن يُسلِّم شأنه العام في حاضره ومستقبله لمن لا يُعطيه أيّ قيمة، ولا يعترف له بوزن ويُعاديه، ولو سَلَّم أمره لمن لا يحترمه أو يرحمه، ولمن يستثمره استثمار الحيوان والجماد ويستغلّه ويستعبده، لَكَان الشعب الساقط في نظر دينه وعقله وفطرته، والمَلومَ في نظر المجتمع العقلائي كلّه، ومجتمعنا، شعبنا، بإسلامه، وبتربيته الأصيلة وبتاريخه المجيد، بمنبره الحسيني، بولائه لأهل بيت النبوّة "صلوات الله عليهم أجمعين"، بإيمانه الأكيد الشديد لله تبارك وتعالى؛ بعيدٌ عن هذا المستوى الذي قد يحصل لبعض الشعوب.
وتابع المرجع الديني البحريني: لابد لنا أن نعلم بأنّ العلاقة بين الإنتصار للأنا -أعني الأنا الشخصية والأنا الحزبية وكلّما شابههما من فصائل الأنا في رغباتها الدنيوية، مَن خضع للأنا، مَن قدَّم الأنا في رغباتها الدنيوية وطموحاتها على حساب الغير-، وبين الإنتصار المبدئي والقضايا الكبرى التي تؤطّر مصالح المجتمع والقيم المعنوية الخالدة، بين الأنا، تقديم الأنا وتقديم العزّة والكرامة الأحكام الإلهية، وقضيّة الإنتصار للأمّة وللشعب، بينهما تعاكساً شديداً جدّاً، وهو تعاكسٌ من أشدّ التعاكس والمردود لتغريب الأنا في ضيقها الخانق، هي خسارةٌ حتمية للمجتمع.
*المجتمع المتحرك على طريق المطالب
وأردف: إذا كان المجتمع المُتحرّك على طريق المطالب صغيرةٍ أو كبيرة، إذا كان يريد لنفسه أنْ يُسجّل على نفسه أكبر الخسائر، والخسائر الحتمية؛ فليُقدِّم الأنا الشخصية أو الحزبية وأيَّ أنا مُعاكسةً لهذا الطموح، لِيَجِد الخسارة الكبرى. أما مَن يريد نجاح المطالب فلينسى متطلبات الأنا، ولتذُب عنده متطلبات الأنا في متطلبات المجتمع والحركة العامة التي تعود بجدواها على الجميع.
واستطرد سماحة الشيخ عيسى قاسم في كلمته: لِيَمضي تحرّككُم قويّاً رشيداً بروح المجتمع الواحد والنَفْس الواحدة، وحساب المصلحة الموّحدة، والحاضر المشترك والمصير المشترك، وأن تكونوا رأياً واحداً ما استطعتُم، لا ألف رأي فتفتحوا على أنفسكم آلافاً من الثغرات التي تُكلِّفكم أفدح الخسائر.
طريقكُم إلى النصر واحد؛ هو طريق التوحُّد، طريق البناء المرصوص، الصفّ المتين المُتماسك الذي ليست فيه ثغرة ولا منفذٍ لعدوٍّ أو مكر شيطان، واَبقوا على سلميتكُم كما كُنتُم، وكَثِّفوا جهودكُم الجهاديّة الواعية والنَشِطة والمُتدارسة، واطلبوا الرأي الأصوب مما يُنتجه تفكيركُم المشترك الموضوعي المُنطلِق من الحاجة إلى الوصول إلى الحلّ العادل لمشكلات هذا الوطن فيما يتّصل بشأن دينه ودنياه وآخرته، وعزّه وكرامته.
وبشأن سبيل الحلّ للازمة الراهنة وإنهاء الجور الذي يتعرض له الشعب من قبل النظام البحريني، قال المرجع الديني البحريني: لا حلَّ -أيُّها الأخوة والأخوات- بلا حلٍّ حقيقي عادلٍ كامل لمشكلة المشاكل وهي المشكلة السياسية، ولا حلَّ للمشكلة السياسية بلا دستورٍ عادل، والدستور العادل لا يمكن أن يأتي من إرادة السلطة ووضعها، وإنّ سياستها مع الشعب لَشاهِدةٌ بكلّ وضوح على عدم أهليّتها لوضع الدستور العادل المنصف للشعب المُعترف بحقوقه وعزّته وكرامته، وأنّه الأصل في الحكم.
*المطالبة بالاصلاح
وعن أهمية المطالبة بالاصلاح أضاف الشيخ عيسى قاسم: بِمُطالبَتِكُم بالإصلاح تُبطِلون ما تؤدّي إليه السياسة الجائرة. السياسة الجائرة لها نتيجة؛ نتيجة أن تُفرِّق، أن تُبدِّد، أن تخلق العداوات الشرسة البعيدة عن كلّ القيم، عن الأحكام الإلهية، عن الأعراف العقلائية، عن البُعد الإنساني، هذا هو ما تؤدّي إليه السياسة الجائرة من نتائج، أمّا إصلاحكُم فلمواجهة كلّ ذلك، للقضاء على العداوات، للقضاء على الظلم، للقضاء على الذُلّ، على الهوان، على التخلُّف، على الجهل، عن كلِّ ما يُحطُّ من قدر الإنسان، وعلى كلِّ ما يُضعِفُ كيان المجتمع.
وبيّن بالقول: السياسة الجائرة لها هدفها، وطَلَبُ الإصلاح له هدفه، والطلبان متعاكسان. طلبٌ لبناء الحياة الكريمة المجيدة العزيزة الحُرّة الأبيّة التي تقوم على القيم الإلهية وأحكام الشريعة المُقدّسة، وأما السياسة الجائرة فلِهدم الحياة الصالحة لتكون محلّها الفوضى والبعثرة والشتات والعداوات والمظالم المُظلمة.
إنّ وطننا العزيز الكريم الأصيل المؤمن الأبيّ الرشيد؛ لَمُستهدفٌ من سياسته القائمة التي تحكُمه بألوان الجوْر والبيع بأخسّ الأثمان، وأن يكون من أدوات الاجهاض لحركة الأمّة النهضوية، وتغريبها عن دينها العظيم وهويّتها الحضارية الكريمة، وخطّها الإلهي القويم.
ودعا الشيخ عيسى قاسم الشعب البحريني لرفض الظلم والذل والهوان، وقال: شعبنا الكريم.. لا تقبلوا ظلماً ولا ذُلاًّ ولا هواناً ولا تخلُّفاً، احذروا كلَّ الحذر من أنْ تكونوا ثمناً من أخسِّ الأثمان -وأنتُم أهل العلوّ، وأنتم أهل الكرامة، وأنتُم مَن يأبى الله لكم الذُلّ، والإسلام المهانة-، لا تكونوا ثمناً في أخسِّ الصفقات التي يمكن أن تُقدِم عليها حكومةٌ من حكومات الأرض.
*كسر القيود
اذهبوا في وحدةٍ صُلبة ثابتة شاملة، اذهبوا كذلك بما أنتم معارضة، وبما أنتم شعب، وبما أنتم معارضة وشعب حتى تكسروا القيود، وتُذيبوا الأغلال وتنتصروا لحقوقكُم المسلوبة. إنّه لَواجبٌ أبداً على كلِّ مسلمٍ غيورٍ في البحرين، وفي غير البحرين من البلاد الإسلامية وغيرها، واجبٌ ثقيلٌ وهو أن نقِف أمام السياسة الظالمة التي تُريدنا أن نكون جُزءاً من إسرائيل، والتي تُعطي تمكيناً يومياً لإسرائيل من أرض البحرين، من إنسان البحرين، من عزّة البحرين، وكرامة البحرين، ودين البحرين ودين الأمّة.
* إذعان لرغبة الكيان الصهيوني
وبشأن تفاقم حالة الاحتلال للبحرين السياسة التي انتهجها النظام البحريني، أوضح الشيخ عيسى قاسم: إنّنا في كلّ يوم نرى أن تمكيناً جديداً لهذا الكيان الساقط يتمُّ على أرض البحرين، ويُقرِّب احتلالها الكامل على حدّ احتلال فلسطين، حتّى أذعنت الحكومة لرغبة الكيان الصهيوني والكيان الأمريكي الظالِمَيْن؛ لأن يقيم ضابطٌ كبير من ضبّاط الجيش الإسرائيلي ليُدير الحركة الاستعمارية الغازية من البحرين من قِبل هذا الكيان عن قُربٍ وتوجيه مباشر. ماذا بقي عن أن نُحتلّ احتلالاً كاملاً؟ ماذا بقي من أن ننسلخ عن أمّتنا إلى أن نكون جزءاً من إسرائيل، من الكيان الإسرائيلي، ومن أن نكون حرباً على أمّتنا من أجل عزّة إسرائيل وغرورها وإنتصارها ولسحق الأمّة الإسلامية.
واختتم الشيخ عيسى قاسم كلامه بالقول: إنّنا على رُشدٍ، إنّنا على بصيرة، إنّنا على وعيٍ، إنّنا على دينٍ قويم، إنّنا على طريق مرضاة الله في كفاحنا من أجل استرداد الحقوق، من أجل العزّة الإيمانية للبحرين، العزّة الإلهية للبحرين، من أجل الحرية الحقيقية، من أجل الخير العميم لكلّ مواطنٍ في البحرين.
نورنيوز/وكالات